رحلة بين الكلمات

رحلة بين الكلمات ... خلال جولتي التصويرية في إحدى القرى النائية بموريتانيا لتصوير برنامج وثائقي مميز، اكتظ محيطي بجموع الصغار المتحمسين، يتساءلون بدهشة عن غريبهم، يقفون خلفي بفضول ويرتفعون باطراف اصابع اقدامهم ليلاحقوا عدستي ويفهموا ما أوثقه. وبقيت هذه اللحظات معي طوال النهار، حتى انضم أكثر من اثني عشر طفلاً وطفلة لهذه الرحلة. أردت التحدث معهم حول موضوع ما والتعرف عليهم لنشر بذور التواصل بيننا. حاولت اختيار كلماتي بعناية متناهية، في محاولة لتقريب ما أقوله إليهم بلهجة عربية فصحى لتسهيل فهم كلماتي. غير أن الصعوبة لا تزال تتربص بنا، كما لو كانت الفجوة اللغوية تحجب بيننا. استحضرت ذكريات الأردن في حديثي معهم، إلا أن التفاصيل الدقيقة لم تجذبهم كما توقعت. عجزت أصابعهم عن التفاعل مع لهجتي المختلفة، فتبادلوا النظرات المليئة بالتساؤلات حول معنى كلمة "الأردن" في عالمهم المحدود. كانت هناك حاجة ملحّة لتحويل حوارنا إلى لغة عربية فصيحة، لتصل كلماتي كرسالة مفهومة بلا عوائق. ومع ذلك، استراح الأمر بصعوبة عند الحديث عن فلسطين، حيث أجابوني بنشاط بأنهم يعرفونها جيداً ويسمعون عنها كثيراً. سعدت كثيراً بهذا حقاً وأخبرتهم بأنني أسكن في بلد قريب جداً من فلسطين، بالإضافة إلى بلدان أخرى مجاورة لها مثل مصر ولبنان. دام حوارنا لوقت قصير، حيث أتحدّى براعتهم في الرياضيات والفلك، وتبادلنا الأسئلة المشوّقة بمشاعر متقاطعة من الاهتمام والتفاعل ، التي لم يستطيعوا الإجابة عنها. عندما حان موعد رحيلي من هذه القرية في نهاية اليوم، كانت مفاجأتهم تنتظرني عندما وجدتهم جميعاً يأتون للمصافحة ويسألون إذا كنت سأعود إليهم غداً. كان هذا الأمر البسيط يشعرني بقمة السعادة لأنه لم يكن يومًا عاديًا.

11/13/20231 min read

رحلة بين الكلمات

خلال جولتي التصويرية في إحدى القرى النائية بموريتانيا لتصوير برنامج وثائقي مميز، اكتظ محيطي بجموع الصغار المتحمسين، يتساءلون بدهشة عن غريبهم، يقفون خلفي بفضول ويرتفعون باطراف اصابع اقدامهم ليلاحقوا عدستي ويفهموا ما أوثقه. وبقيت هذه اللحظات معي طوال النهار، حتى انضم أكثر من اثني عشر طفلاً وطفلة لهذه الرحلة. أردت التحدث معهم حول موضوع ما والتعرف عليهم لنشر بذور التواصل بيننا. حاولت اختيار كلماتي بعناية متناهية، في محاولة لتقريب ما أقوله إليهم بلهجة عربية فصحى لتسهيل فهم كلماتي. غير أن الصعوبة لا تزال تتربص بنا، كما لو كانت الفجوة اللغوية تحجب بيننا. استحضرت ذكريات الأردن في حديثي معهم، إلا أن التفاصيل الدقيقة لم تجذبهم كما توقعت. عجزت أصابعهم عن التفاعل مع لهجتي المختلفة، فتبادلوا النظرات المليئة بالتساؤلات حول معنى كلمة "الأردن" في عالمهم المحدود. كانت هناك حاجة ملحّة لتحويل حوارنا إلى لغة عربية فصيحة، لتصل كلماتي كرسالة مفهومة بلا عوائق. ومع ذلك، استراح الأمر بصعوبة عند الحديث عن فلسطين، حيث أجابوني بنشاط بأنهم يعرفونها جيداً ويسمعون عنها كثيراً. سعدت كثيراً بهذا حقاً وأخبرتهم بأنني أسكن في بلد قريب جداً من فلسطين، بالإضافة إلى بلدان أخرى مجاورة لها مثل مصر ولبنان. دام حوارنا لوقت قصير، حيث أتحدّى براعتهم في الرياضيات والفلك، وتبادلنا الأسئلة المشوّقة بمشاعر متقاطعة من الاهتمام والتفاعل ، التي لم يستطيعوا الإجابة عنها. عندما حان موعد رحيلي من هذه القرية في نهاية اليوم، كانت مفاجأتهم تنتظرني عندما وجدتهم جميعاً يأتون للمصافحة ويسألون إذا كنت سأعود إليهم غداً. كان هذا الأمر البسيط يشعرني بقمة السعادة لأنه لم يكن يومًا عاديًا.