ليس لنا حق الإغلاق

بعد شتاء عنيف ، تمشت الشمس فوق منزلنا قليلاً، كأنها تستأذن الأرض للعودة، فوجدتْ أمي في ذلك فرصةً لتروي أشجارها التي اعتادت أن تزرعها، كانت تسقي الأغصان برتابة من اعتاد العطاء ،فلا يسأل متى تثمر، ولا ينتظر جزاء. بينما جلستُ أرقبها، أتابع حركة يديها، وأتساءل في داخلي: كم شجرة زرعتها في حياتها دون أن تتذوق ثمارها؟ كم مرة أعطت دون أن تنتظر المقابل؟ شعرت أن هذا هو الوقت المناسب لسؤالي الذي ظل يؤرقني، سألتها دون تفكير، وكأنما أرمي حجراً في بركة صافية: "ماما، عمرك أخذتي من حدى شغلة بالحياء؟" باستغراب سريع اجابتني : "لا، مستحيل" ، يعني لم يحدث قط ، كما لو أنها تسرد بديهةً من بديهيات الكون. لم أندهش، تربينا على تلك العزة ، على أن الحاجة إن لم تُلبَ من كفاحنا، فالأجدر بها أن تبقى جوعًا، وأن اليد التي لا تمتد بالعطاء لا ينبغي لها أن تمتد بالطلب ، تربينا ولم نطلب شيئًا لم يكن لنا حقٌ فيه، ولم نقبل أن نأخذ مجاملةً أو خجلاً. لكن ما يحيرني، كيف أن البعض يرون الأمر مختلفًا؟ كيف صار كل ما نملكه متاحًا لهم دون تردد، وكأننا صندوقٌ مفتوح لا باب له، وليس لنا حق الإغلاق! كيف صار وقتنا، جهدنا، أشياؤنا، أمورًا مستباحة تحت مسمى العشم، وكأننا لم نُخلق إلا لنمنح، ولم يُخلقوا إلا ليأخذوا؟ تأملتُ أمي وهي تعود إلى أشجارها، كأنها لم تسمع سؤالي أصلًا، تمنحها الماء الذي قد لا يثمر، لكنها تمنحه، لأنها لا تعرف غير ذلك. وتساءلتُ في سري: هل نمنح نحن أيضاً، لأننا لا نعرف غير ذلك؟ أم أننا ضحية عالمٍ يتقن الأخذ أكثر مما يتقن العطاء؟

3/26/20251 min read

بعد شتاء عنيف ، تمشت الشمس فوق منزلنا قليلاً، كأنها تستأذن الأرض للعودة، فوجدتْ أمي في ذلك فرصةً لتروي أشجارها التي اعتادت أن تزرعها، كانت تسقي الأغصان برتابة من اعتاد العطاء ،فلا يسأل متى تثمر، ولا ينتظر جزاء. بينما جلستُ أرقبها، أتابع حركة يديها، وأتساءل في داخلي: كم شجرة زرعتها في حياتها دون أن تتذوق ثمارها؟ كم مرة أعطت دون أن تنتظر المقابل؟

شعرت أن هذا هو الوقت المناسب لسؤالي الذي ظل يؤرقني، سألتها دون تفكير، وكأنما أرمي حجراً في بركة صافية:

"ماما، عمرك أخذتي من حدى شغلة بالحياء؟"

باستغراب سريع اجابتني :

"لا، مستحيل" ، يعني لم يحدث قط ، كما لو أنها تسرد بديهةً من بديهيات الكون. لم أندهش، تربينا على تلك العزة ، على أن الحاجة إن لم تُلبَ من كفاحنا، فالأجدر بها أن تبقى جوعًا، وأن اليد التي لا تمتد بالعطاء لا ينبغي لها أن تمتد بالطلب ، تربينا ولم نطلب شيئًا لم يكن لنا حقٌ فيه، ولم نقبل أن نأخذ مجاملةً أو خجلاً.

لكن ما يحيرني، كيف أن البعض يرون الأمر مختلفًا؟ كيف صار كل ما نملكه متاحًا لهم دون تردد، وكأننا صندوقٌ مفتوح لا باب له، وليس لنا حق الإغلاق! كيف صار وقتنا، جهدنا، أشياؤنا، أمورًا مستباحة تحت مسمى العشم، وكأننا لم نُخلق إلا لنمنح، ولم يُخلقوا إلا ليأخذوا؟

تأملتُ أمي وهي تعود إلى أشجارها، كأنها لم تسمع سؤالي أصلًا، تمنحها الماء الذي قد لا يثمر، لكنها تمنحه، لأنها لا تعرف غير ذلك. وتساءلتُ في سري: هل نمنح نحن أيضاً، لأننا لا نعرف غير ذلك؟ أم أننا ضحية عالمٍ يتقن الأخذ أكثر مما يتقن العطاء؟